كتب إيد ديفي، زعيم الحزب الليبرالي الديمقراطي في بريطانيا، مقالاً في صحيفة الجارديان يشرح فيه دوافعه لمقاطعة مأدبة الدولة التي سيقيمها الملك تشارلز على شرف الرئيس الأميركي دونالد ترامب. يقول ديفي إن صور الأطفال الهزلى من الجوع، وأجساد الأبرياء الذين يسقطون عطشاً أو جوعاً في غزة، إلى جانب مشهد الرهائن الهزلى الذين ما زالوا محتجزين منذ نحو عامين، تختصر المأساة وتضع مسؤولية مباشرة على ترامب، الرجل الوحيد القادر على الضغط الفعلي على بنيامين نتنياهو لوقف هذه الكارثة الإنسانية.

يشير الكاتب إلى أن ترامب يملك القدرة الكاملة على تغيير المعادلة عبر رفع الحصار عن غزة، وإيقاف سياسة التجويع، والتدخل لدى قطر ودول الخليج من أجل تسريع إطلاق سراح الرهائن. غير أن ترامب اختار الطريق المعاكس؛ فقد منح نتنياهو غطاءً كاملاً ودعماً سياسياً علنياً، وأظهر ازدراءً بمأساة غزة إلى درجة أنّه لم يذكرها حتى حين عدّد "حروبه المنتهية"، إذ حصر كلامه في أوكرانيا فقط.

في الفقرة الثانية يؤكد المقال الذي نشرته الجارديان أنّ زيارة ترامب المرتقبة إلى بريطانيا، والتي ستشمل مأدبة رسمية في قصر وندسور، تضع أمام ديفي معضلة شخصية وسياسية. فهو كزعيم لحزب سياسي يحظى بدعوة شرفية لحضور العشاء الملكي، ويرى في ذلك تكريماً كبيراً من الملك تشارلز، إلا أنّ ضميره السياسي والديني دفعه إلى مراجعة نفسه. وبعد تفكير عميق مع زوجته، قرر أن يقاطع المأدبة، لأن حضورها يعني بالنسبة إليه تواطؤاً بالصمت مع استمرار المذبحة في غزة.

يشرح ديفي أنّ القضية لا تتعلق بخلافاته العديدة مع ترامب في ملفات أخرى، من التعريفات الجمركية إلى العلاقة مع بوتين، بل تتعلق بمسؤولية مباشرة وراهنة: ترامب يستطيع أن ينهي المأساة إذا أراد، لكنه يصر على غضّ الطرف. ولذلك فإن رفض حضور المأدبة هو موقف رمزي يهدف إلى لفت الأنظار إلى هذه المسؤولية الأخلاقية والسياسية.

يبرز الكاتب أنّه لطالما اعتبر علاقة بريطانيا بالولايات المتحدة ركناً أساسياً من سياستها الخارجية، مهما كان الرئيس الأميركي، وأنّه يؤمن بالحوار والجلوس مع الخصوم. لكنه في هذه اللحظة يجد أنّ الخطر ليس في الحوار بل في الصمت، إذ يخشى أن تمر زيارة ترامب محاطة بالبذخ الملكي دون أن يذكّره أحد بأن بيده إنهاء التجويع والقتل والاحتجاز.

ويضيف ديفي أنّه يشعر بمسؤولية شخصية كي يذكّر البريطانيين وحلفاءهم بأن القضية ليست مجرد شأن إنساني بعيد، بل اختبار حقيقي لمبادئ العدالة والإنسانية التي يرفعها الغرب. فحين تُستقبل شخصية مثل ترامب بحفاوة ملكية فيما هو يواصل دعم سياسة الإبادة والتجويع، تُبعث رسالة سلبية إلى العالم بأن المصالح تطغى على القيم، وأن الأرواح الفلسطينية يمكن تجاهلها.

يتابع الكاتب بالتأكيد على أنّ مقاطعته لا تستهدف الإساءة للملك أو للتقاليد الملكية، بل تهدف إلى إرسال رسالة سياسية صريحة: بريطانيا لا يمكنها أن تمنح ترامب هذا الشرف بينما يتقاعس عن استخدام نفوذه لإنقاذ الأرواح. فالمأدبة ليست مجرد احتفال بروتوكولي، بل حدث ذو رمزية دولية، وصمته خلالها سيُفهم كإقرار ضمني باستمرار المأساة.

ويستطرد ديفي أنّ بريطانيا يجب أن تستغل هذه الزيارة للضغط على الولايات المتحدة من أجل دور أكثر إنصافاً. فإذا كان ترامب يسعى وراء الاعتراف والاحتفاء الدولي، فإن هذا الامتياز يجب أن يكون مشروطاً بتغيير سياساته في الشرق الأوسط، لا مكافأة مجانية على دعمه الأعمى لإسرائيل.

ثم يذكّر الكاتب بأن 74% من الإسرائيليين أنفسهم يريدون إنهاء الحرب، وأن احتجاجات كبرى اندلعت في تل أبيب والقدس ضد استمرار النزيف البشري. لكن رغم ذلك، يواصل نتنياهو نهجه لأنه يحظى بدعم ترامب الكامل. من هنا، يرى ديفي أنّ الضغط الدولي، وخاصة من حلفاء واشنطن، هو السبيل الوحيد لتغيير الحسابات الإسرائيلية.

ويختم ديفي مقاله بالتأكيد على أنّ قراره مقاطعة المأدبة لم يكن سهلاً ولا مرغوباً، ولكنه يراه الوسيلة الوحيدة لإيصال صوته والتأكيد على أنّ غزة لا يمكن أن تُنسى وسط الاحتفالات الرسمية. فالمسؤولية الأخلاقية تفرض أن يُقال لترامب مباشرة: لديك القوة لإنهاء المأساة، وعليك أن تتحرك الآن.

https://www.theguardian.com/commentisfree/2025/aug/27/ed-davey-trump-gaza-boycott-state-dinner-king-charles